قال سفيان بن عيينة -رحمه الله- : إنما آيات القرآن خَزائن ، فإذا دَخَلْتَ
خِزانة فاجْتَهِد أن لا تَخْرُج منها حتى تَعْرِف ما فيها .
تعالوا بنا إذا ندخل بعض هذه الخزائن لنعرف محتواها و نقطف منه الفائدة !
(وإن
من شيء إلا عندنا خزائنه ) متضمن لكنز من الكنوز وهو أن كل شيء لا يطلب
إلا ممن عنده خزائنه ومفاتيح تلك الخزائن بيده . وأن طلبه من غيره طلب
ممن ليس عنده ولا يقدر عليه.
{ يا يحيى خذا الكتاب بقوة
} هذا قول الله تعالى للغلام بعد بلوغه ثلاث سنين أمره الله تعالى أن
يتعلم التوارة ويعمل بها بقوة جد وحزم ( أيسر التفاسير للشيخ أبو بكر جابر
الجزائري ) إذا كان هذا أمر الله لبي من الأنبياء و في صباه بالتمسك
بالكتاب و العمل به فكيف بنا نحن ..
قال
ابن جُزي في التفسير : (لَهَا مَا كَسَبَتْ) أي من الحسنات ، (وَعَلَيْهَا
مَا اكْتَسَبَتْ) أي من السيئات ، وجاءت العبارة بـ(لها) في الحسنات ،
لأنها مما يَنْتَفِع العبد به ،وجاءت بـ (عليها) في السيئات لأنها مما
يَضُر بالعبد ، وإنما قال في الحسنات : (كَسَبَتْ) ، وفي الشرّ :
(اكْتَسَبَتْ) ؛ لأن في الاكتساب ضَرْب من الاعْتِمال والمعالجة حسبما
تقتضيه صيغة افْتَعَل ، فالسيئات فاعلها يَتكلّف مُخَالَفة أمْرِ الله
ويَتَعَدّاه ، بِخِلاف الحسنات فإنه فيها على الجادَّة من غير تَكلّف ، أو
لأن السيئات يَجِدّ في فعلها لميل النفس إليها ، فجُعِلت لذلك مكتسبة ،
ولما لم يكن الإنسان في الحسنات كذلك وُصِفَت بما لا دَلالة فيه على
الاعتمال .
قال يزيد الرقاشي عند قوله ( فَقُولا لَهُ
قَوْلا لَيِّنًا ) : يا مَن يَتَحَبّب إلى مَن يُعَادِيه ، فكيف بمن
يَتَوَلاّه ويُنَادِيه ؟
( حَتَّى إِذَا
جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ) يخبر رب العزة
والجلال -سبحانه وتعالى- عن حال المحتضر من الكافرين أو المفرطين في حق
الله -جل ذكره-، وأنهم يتمنون عند نزول الموت به، ويسألون أن يعودوا مرة
أخرى إلى دار الدنيا
ما وجه الجمع في قول الله -تبارك
وتعالى-:﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ ولم يقل: رب ارجعني؟ لأن الحديث والكلام عن
المفرد ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴾
ذكر بعض العلماء أجوبة على ذلك تنحصر في ثلاثة أمور:
الأمر الأول: وهو أظهرها والله أعلم: أنه جمع تفخيماً وتعظيماً للمخاطب ألا وهو رب العزة والجلال -سبحانه وتعالى-
وقيل: وجه الجمع هنا للتكرار، جاء ضمير الجمع لإرادة التكرار، وكأنه قال: رب ارجعني ارجعني ارجعني
وقيل: الجمع هنا جاء لأنه يخاطب أو يطلب ذلك من الملائكة وأن قوله ﴿رَبِّ﴾ توسل إلى الله -عز وجل- وطلب منه
{ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوۤاْ أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ }
قال
الشيخ أبو بكر الجزائري في أيسر التفاسير : إني جزيتهم اليوم بصبرهم على
طاعتنا مع ما يلاقون منكم من اضطهاد وسخرية. { أنهم هم الفائزون } برضواني
في جناتي لا غيرهم.
من هداية الآيات : فضيلة الصبر ولذا ورد أن منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد.
قال
الأستاذ أبو إسحاق : صَحِبَ ذو النون الحوتَ أياما قلائل فإلى يوم القيامة
يقال له : ذو النون ، فما ظنك بعبدٍ عَبَدَه سبعين سنة ؛ يَبْطُل هذا عنده
؟ لا يُظَنّ به ذلك .
حكى الأصمعي قال : سمعت جارية أعرابية تُنشد وتقول :
أستغفر الله لذنبي كله = قتَلتُ إنسانا بغير حِلّـه
مثل غزال ناعم في دلِّه = فانتصف الليل ولم أصَلِّه
فقلت : قاتلك الله ما أفصحك !
فقالت
: أوَ يُـعَـدّ هذا فصاحة مع قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ
مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ
وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ
مِنَ الْمُرْسَلِينَ) ؟ فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين
وبِشارتين .
قال تعالى : (وَمِنْهُمْ
مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ
حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) .
قال الإمام القرطبي في التفسير :
هذه الآية من جوامع الدعاء التي عَمّت الدنيا والآخرة . قيل لأنس : أدعُ
الله لنا . فقال : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب
النار . قالوا : زِدْنا . قال : ما تريدون ؟ قد سألت الدنيا والآخرة .
قال
ابن عباس : ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ؛ ما
سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة ، كلهن في القرآن (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ
الْمَحِيضِ) ، (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ) ،
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى) ، ما كانوا يَسْألون إلا عما يَنفعهم .
قال ابن عبد البر : السؤال اليوم لا
يُخاف منه أن يَنْزِل تحريم ولا تحليل من أجله ، فمن سأل مُستفهِماً راغبا
في العلم ، ونَفْي الجهل عن نفسه ، باحثاً عن معنى يَجِب الوقوف في الديانة
عليه ، فلا بأس به ؛ فشفاء العِيّ السؤال ، ومن سأل مُتعنتاً غير
مُتَفَقِّه ولا مُتعلِّم فهو الذي لا يَحِلّ قليل سؤاله ولا كَثِيرِه . اهـ
.
بهذا يتبيَّن خطأ بعض الناس حينما يُريد أن يسأل عالِما فيُقال
له : (لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) .